يواصل الشاعر والكاتب التونسي الطاهر البكري نحت مسيرته الابداعية شعرا ونثرا وقد صدر له هذه الأيام كتاب جديد بعنوان “كتاب الذكرى” عن دار أليزاد للنشر التي نشر فيها اربعة كتب.. يجيء هذا الكتاب بعد مدة قصيرة من صدور «شجرة توت حزينة في الربيع العربي» وهو مجموعة شعرية صدرت عن دار المنار للنشر بباريس باللغة الفرنسية وقد عبّر الشاعر في الكتابين عن عميق حبه لتونس وأكد في ديوان «شجرة توت حزينة في الربيع العربي» على اهمية الحياة ومدى تعلقه بها وضرورة ان يتعلق بها الانسان بصفة عامة رافضا ما يُرتكب باسمه وباسم الإنسان العربي أو الإسلامي من وحشية وبربرية وإرهاب وتصدير للرعب والقتل معتبرا ان قوله للشعر انما هو في الحقيقة دفاع عن إنسانيته وعن ربيع حقيقي غير ملطخ بالدماء ولا مدنس بالتطرف.
والطاهر البكري من مواليد قابس سنة 1951 يكتب الشعر والنثر الذي ترجم الى عديد اللغات وهو حاليا أستاذ محاضر بجامعة باريس- ننتار وقد سبق له ان نشر كتابين في نفس الفترة الزمنية القصيرة وهما «في حضرة يونس إمره»، وقد صدر باللغة العربية وبالفرنسية عن دار (أليزاد) في تونس، والثاني عنوانه «شعر من فلسطين» وهو مختارات شعرية لشعراء فلسطينيين يجسِّدون مرحلة ما بعد محمود درويش، وقد صدر بالفرنسية عن دار المنار بباريس ..هذا الى جانب اصداره لـ»مذكرات الثلج والنار»، 1997 وقصائد إلى سلمى، 1996 وهو صاحب قرابة العشرين مؤلفا ترجمت اغلبها إلى اللغات الروسية والانقليزية والاسبانية والتركية.. وأغلبها محل بحث ودراسة وتدريس في العديد من الجامعات العالمية.
شجرة توت حزينة في الربيع العربي
«الصباح» تحدثت مع الشاعر الطاهر البكري عن إصداريه الأخيرين فقال: «ديواني «شجرة توت حزينة في الربيع العربي» لا يكتب شعرا لطيفا أو حلوا بل حزنا عميقا وإحساسا مثقلا بما آل إليه الوضع العربي والإسلامي، وكذلك شعورا بالخطر الرهيب الذي تمرّ به الإنسانية جمعاء». شجرة التوت هذه كان بإمكانها أن تعطينا حريرا جميلا وثمرا طيّبا وربيعا يزخر حرية وأفقا مزدهرا لشعوبنا ولكنّ الدود نخر الفصل الرائع من كفاح التحرريين وألحق ببلداننا هولا مريعا و دمارا لا نرى له نهاية.»
خلال حديث «الصباح» مع الطاهر البكري كان لا بد من سؤال عن هذا السبات العميق الذي يغطّ فيه العرب وعن امكانية ان تحرّكه قصيدة مهما كانت كلماتها نافذة وقوية أو نص نثري مهما كانت شاعريته وجمال صوره وإيقاعه، فأفادنا بأن: «الإرهاب والعنف والحروب وسيل الدماء الجارف والتكالب على السلطة السياسية دينا ودنيا كلها مجتمعة ولّدت أكثر من سبات عميق، ولّدت صمما مريرا وظلمة مخيفة تغطيها قوة المدافع وقنابل الطائرات. وهذا ليس دوري. الكتابة قيمة إنسانية وعمل حضاري وأخشى على أهلي أن يعتادوا قانعين بوقع المأساة دون محبة الإيقاع الجميل ويتسامحوا مع ما هو مشين ومهين للإنسان. لذلك أقف بقلمي ضدّ الوحشية وباعثي الموت وما الشعر إلا «نفاثة صدري» المملوء حُبّا للإنسانية ودفاعا عنها.»
«كتاب الذكرى»
في «كتاب الذكرى» الذي يصدر والعين تلمس جمال الكون من ناحية وتلاحظ ما يكتنف هذا العالم من فورة الغضب يتساءل الطاهر البكري ان كان بإمكان الكاتب الافريقي خاصة ان يصمت عن الكتابة ويقلع عن قول الشعر وهو يتابع كل هذه الرغبة الجامحة للمتطرفين في بث وترسيخ ثقافة الموت وكره الحياة وصد الآخر المختلف. ويقول ان تشبثنا بالحياة واحترامنا لإنسانيتنا هو الذي يدفعنا للتعبير وإدانة هذه الرغبة الجامحة في بث الرعب والدمار.
ويرى البكري انه علينا اليوم ان نكتب عن خرير مياه الانهار ووشوشة الريح وهمسات أوراق الأشجار وأهازيج وفرح المزارعين وهم يزرعون النباتات ويغرسون الاشجار التي توقف التصحر وعن الموسيقى المعلنة عن السعادة والضحكة العالية والمدوية المعلنة عن تحدي معتنقي ومروّجي ثقافة الموت وعلينا ان نعلي كل هذه الأصوات الرقيقة في كتاباتنا على وقع أحذية الجيوش وانفجارات القنابل ودوي الرصاص.
الطاهر البكري يرى أيضا انه علينا اليوم ان نقاوم هؤلاء الذي يهددون امن واستقرار العالم ويجعلونه يبدو غاضبا مزمجرا بتذكيرهم بجمال الطبيعة وبضرورة احترام انسانية الانسان والقبول بالآخر كشقيق نعيش معه مصيرا واحدا في «كتاب الذكرى « خاطب الطاهر البكري قارئه العربي والأجنبي (خاصة وان كتبه تترجم الى الكثير من لغات العالم) بكثير من المشاعر الجياشة والصادقة في التعبير عن حب الانسان والحياة وكتب ما يمكن اعتباره سيرة ذاتية من ناحية وأدب رحلات من ناحية ثانية وهو ما يؤكد كونه قامة مديدة في مجال الشعر بشهادة النقاد وانه من أهم الاصوات المغاربية في الفضاء الفرنكفوني والعربي والتونسي. يصدر البكري كتبه في دور النشر التونسية بكل حب وثقة ويعرف ان له قراء ومتابعين ينتظرونه وهو مرتبط بتونس الى درجة انه لا يتردد في المشاركة في كل التظاهرات التي يدعى لها وهو متابع جيد لكل ما يطرأ في بلادنا ويعرف بدقة مشاكلنا والوضع السيئ الذي وصلت له تونس لهذا كان لا بد ان نسأل الطاهر البكري صاحب ديوان «اسميك تونس» الصادر عن دار المنار للنشر سنة 2011 ان كان يرى حلا لتخرج بلادنا من هذا الوضع الاقتصادي والثقافي والاجتماعي السيئ جدا فأفادنا بأنه: «مهما كان الوضع فالتجربة التونسية في أسسها ودعائمها تكاد تكون فريدة في العالم العربي في كسبها للحريات العامة والسياسية ووضعها الثقافي يحسد عليه من جودة أعمال مبدعيها نساء ورجالا ولا أخشى على بلد له دولة ومؤسسات قوية تكون الثقافة من بين دعائمه الأساسية والوعي يتطلب منا الدفاع عن هذه المكاسب. بالنسبة للوضع الاقتصادي والاجتماعي لا بد من محاربة الربح الفاحش والانتهازية المخزية والنهوض الحقيقي بالمناطق المحرومة و كان ابن خلدون يقول «العدل أساس العمران «.
لا يكفي أن يكون هذا المؤرخ العظيم نصبا في المدينة. لا ينتعش الاقتصاد إلا بالسلم والعدالة الاجتماعية. هل هناك مخطط خارجي أو داخلي لمنع بلداننا من التقدم ويعمل على الإطاحة بالحداثة؟ أم أن للتجربة الدينية السياسية مسؤولية كبرى منذ عقود ولم يكتب لها النجاح في أي بلد، من السودان إلى أفغانستان...لا أفقد الأمل في ذكاء المجتمع المدني التونسي وسينتصر على هذه الأزمة التاريخية بكل شجاعة ورفعة».
الطاهر البكري مثقف تونسي، كاتب وشاعر وباحث مقيم في فرنسا منذ سنة 1976 قد يعتقد البعض ان له نظرة مهاجر يعيش بعيدا عن تونس وانه يتلقط أخبارها مما تجود به وسائل الإعلام من معلومات وصور بعضها يتم تهويلها وبعضها الآخر قد يكون مجانبا للحقيقة أصلا ولكن الحقيقة هي ان الطاهر البكري وحسب ما صرح به لـ»الصباح» لا ينظر إلى تونس من بعيد بل يعيش على وقعها وهي والكلام له: «حاضرة دائما في كل ما أكتب وتملأ صفحات كتابيّ الأخيرين. تونس التي سجنتني في برج الرومي ومنعتني من التدريس في الجامعة، بلادي وإن جارت عليّ الأعادي واعتبر كتابتي صوتا لها قلبا وقالبا، يؤلمني ما يؤلمها ويسعدني ما يسعدها. حتى في كرة القدم والمحافل الرياضية الدولية. المسألة ليست في تصديق أو عدم تصديق ما نراه في التلفزيون بل في اعتبار تنوع المشاهدة واختلاف القنوات وتعدّد الأصوات واجبا بيداغوجيا في تأسيس الديمقراطية.»
علياء بن نحيلة